الاثنين، 26 أغسطس 2013

مصر فى الحرب العالمية الاولى قراءة متأنية


كتاب مهم للدكتورة لطيفة محمد سالم كلية الاداب جامعة بنها يرصد حياة مصر من مختلف الجوانب الحياتية خلال تلك الفترة الهامة كتاب يقع فى 351 صفحة من القطع الكبير صادر عن دار الهيئة العامة للكتاب سنة 1984 و دار الشروق 2009
يقع الكتاب فى خمسة فصول تبدأ بالفصل الاول : الحالة السياسية  يرصد الحالة السياسية ابان تلك الفترة الحساسة و كيف اان مصر كانت اسميا تحت السيطرة العثمانية رغم الاحتلال العسكرى البريطانى لمصر من 1882 ورغبة انجلترا فى زحزحة الدولة العثمانية من المشهد تماما خصوصا بعد اشتعال الحرب و بدء التحالف مع الالمان ، اهم ما فى هذا الفصل انه يظهر ما خلف الكواليس السياسة خصوصا السياسة البريطانية فكان هناك حيرة داخل اروقة وزارة الخارجية البريطانية انذاك هل يعلن الحماية على مصر ام اعلان ان مصر جزء من الامبراطورية البريطانية كان الرأى الثانى هو الارجح لولا انا جاءت التقارير من مصر تفضل الحل الاول خصوصا ان مصر بلد اسلامى كبير وسيرفض ان يحكم المصريين من خلال المسيحيين وبعد عدة مداولات اتفق على ان الرأى الثانى هو الارجح .
ماتبقى تهيئة المناخ الدولى لاعلان الحماية فنجد مثلا موقف روسيا مرحب جدا باعلان الحماية و موقف فرنسا كل  لمصلحته الخاصه من اجل ان تعترف بريطانيا باستعمار كل منهما لما بين يديها من مستعمرات .
ويرصد ايضا المناخ الداخلى للتخلص من الخديوى عباس الثانى حيث كان مسافرا للخارج فى الاستانة و سعى انجلترا لايجاد خليفة له فلا تجد انسب من السلطان حسين كامل فترة زاخرة بالتفاصيل الغير معروفة و يوضح ايضا مراسم تولية السلطان الحكم حيث ذهب بنفسه الى دار المعتمد البريطانى على غير العادة ان تكون مراسم التنصيب داخل قصر عابدين مما يدل على مدى سيطرة المندوب البريطانى على السلطان و كيف انه لم يكن يتخذ اى قرار دون الرجوع الى الانجليز و انه تم توصيل خط تليفون مباشر بين السلطان فى قصر عابدين و المندوب البريطانى فى قصر الدوبارة ولكن المندوب البريطانى يرفض ويصبح الخط عند السكرتير الشرقى و  بالتالى يرفض ايضا السلطان و يصبح الخط عند السكرتير ويوضح السكرتير الشرقى فى مذكراته انه مل من كثرة اتصال سكرتير السلطان فهو يتصل به لاخذ رايه فى كل شئ حتى فى اتفه الامور ويندم انه وافق ان يقبل بوجود الخط عنده لعلع يريحه من كثرة استدعاء السلطان له فى قصر عابدين هذه الحادثة توضح كيف كانت السيطرة على السلطان و كيف انه كان شخصية ضعيفة فى ايدى الانجليز الذين عينوه سلطانا .
اما الفصل الثانى يتناول الحياه الاقتصادية فى مصر وكيف سيطر الانجليز على اقتصاد مصر و جعله تابعا لانجلترا و السيطرة على المحاصيل الزراعية المصرية وخدمتها للاقتصاد البريطانى خصوصا فترة الحرب مثلا نجد ان محصول القطن سيطرت عليه بريطانيا سيطرة تامة و احتكرته و حددت سعره بما يؤثر على الفلاحين بل سيطرت على المساحة المنزرعة بالقطن وغيرها من المحاصيل مما اثر بالسلب على الاقتصاد بل وسيطرت ايضا على الحبوب و القمح و جعلته لخدمة انجلترا ولخدمة القوات المحاربة فى مصر وكيف انه يتم اخذ او شراء الحبوب بسعر محدد من قبل انجلترا مما اثر على الفلاح حيث لم يكن السعر مرضى لم يكفى ان يسدد ديونه كما حدث فى محصول القطن .
من اهم ما يلفت النظر فى هذا الفصل ان مصر دخلت الانتاج الصناعى بعد ان منعتها انجلترا من التصنيع بل واضعاف التصنيع المصرى لجعل مصر فى حاجة الى انجلترا و لكن مع دخول الحرب حدث ان صعب الاستيراد وقل الانتاج البريطانى مما جعل انجلترا تتهاون فى محاولات التصنيع المصرى ، اصبح فى توافر فى رؤوس الاموال المصرية اثناء فترة الحرب مما استخدمها المصريين فى التصنيع فمثلا صنعت اول ساعة مصرية واستغرقت صناعتها ستة شهور بناء على طلب الى الساعاتى يعقوب .
الفصل الثالث يتناول الاوضاع الاجتماعية و المظاهر الثقافية يحلل طبقات المجتمع فى تلك الفترة بدقة عالم اجتماع وليس بقلم مؤرخ فخرج هذا الفصل بشكل جيد نجد ان المجتمع يتكون من عدة فئات اولها الاجانب كان قبل الاحتلال طبقة الاجانب عبارة عن الاتراك وهؤلاء لهم كل الامتيازات بعد الاحتلال نجد ان تغير الاتراك بالانجليز و الاوربيين اغلبهم عدا الالمان بسبب ظروف الحرب ، الطبقة الثانية هى كبار ملاك الاراضى وهذه الطبقة مصالحها مع الاحتلال لتسهيل امورها واثرت كثيرا على الرغم من القرارات الخاصة بتحديد مساحات الاراضى المزروعة قطن مما اثر على ملاك الارضى او تحديد السعر ، الطبقة الاخرى هى المثقفون وهم المتعلمون وغيرهم و الصحفيون و طلاب المدارس وغيرهم هذه الطبقة التى عانت من سياسة الاحكام العرفية طيلة فترة الحرب وعدم نشر اى اخبار عن الحرب .
وايضا طبقة الفلاحين و العمال هذان الطبقتان عانتا كثيرا اثناء الحرب فمثلا طبقة الفلاحين تأثر الفلاح بتحديد سعر القطن و المحاصيل الاخرى كالحبوب والمحاصيل الخاصة بالغذاء و طبقة العمال ثاثرت ابلغ الاثر خصوصا بعد التخلى عن اغلب العمال بعد الحرب بحجة توفير النفقات و على الجانب الاخر نجد ان العلاوات للاجانب فى ازدياد وكيف ان الاعيان كانوا يتبرعون لصالح الهلال الاحمر من اجل الحرب ولم يتبرعوا للعمال الذين كان منظرهم فى الشوارع مثير للشفقة .
اما الفصل الرابع يتناول المجهود الحربى فى تقديرى هذا الفصل من امتع فصول الكتاب لان يظهر كيف اشتركت مصر فى حرب لاطائل لها من ورائها سوى انها كانت تحت الاحتلال البريطانى على الرغم من وعود بريطانيا بانها ستتولى الدفع عن مصر و مصر لن تقحم فى تلك الحرب باى شكل من الاشكال . وبعد ذلك انجلترا تضرب بكل تلك الوعود عرض الحائط ، اشتركت مصر بجيشها فى عدة معارك و اظهروا بسالة واضحة لدرجة ان انجلترا اعترفت بفضل الجيش المصرى عليها فى انتصارتها ، بالاضافة الى فيلق العمال الذى تكون من العمال المصريين لدرجة ان وصل العدد المصريين من العمال و الجيش الى 1200000 مصرى ساهموا بشكل كبير فى انتصار الحلفاء فى مختلف الجبهات ليس فى مصر فقط انما فى مصر و خصوصا فرقة الجمالة . بالاضافة الى الاستيلاء على المحاصيل الزراعية و الدواب لخدمة القوات البريطانية و التجنيد الاجبارى بكل مساوئه حيث كان يساق الفلاحين كالحيوانات للحرب ويربطون من وسطهم ليشحنوا الى الجبهة بعد ان فشلت الاغراءات للاشتراك فى الجيش البريطانى .
الفصل الاخير يتناول الجانب الوطنى و المقاومة ويزخر هذا الفصل بالعديد من المواقف التى نغفل عنها منها ان مصر بحكم الروابط الروحية مع الاتراك كانوا يتمنون ان يعود الحكم التركى رغم كل مساوئه بل اشتراك المصريين فى المقاومة رغم الشدة و الاعتقلات كل هذا لم يؤثر عليهم و كيف كره المصريين السلطان حسين كامل و جرت اكثر من محاولة لاغتياله وباءت بالفشل كان المصريين يرونه خائنا لانه قبل ان يتولى السلطنة بناء على اوامر انجليزية .
الكتاب اكثر من رائع يزخر بالعديد من الجوانب المجهولة و التفاصيل الثرية التى يصعب حصرها فى بضع كلمات كتاب تنسى معه ساعات الملل لا تشعر بمرور الوقت وهو بين يديك باختصار كتاب ممتع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق