الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

فى هجاء الوحدة ( قصة قصيرة )


(1)

 

وحيدة ... فرادانية ... بطولها ... كلمات جبلت على وصفها تعرفها جيدا لا تسمعها بأذنها انما تلاحظها فى نظرات العابرين او فى مصمصة الشفاه واطلاق التنهيدات على قدر ما تدرك مغزى الكلمات على قدر ما تشعر بها تكاد يشق جسدها نصفين من فرط الاحساس بالتفرد والوحدة .

لم تتمنى فى خيالها حال اسوأ مما تحياه لم يخطر لها ببال ان تبقى هكذا وحيدة دون زوج او حتى حبيب دوما كانت تتخيل ان يأتى لها فارس الاحلام على الحصان الابيض حلم مثل كل البنات لكن هى مختلفة ففرصتها اوسع ونصيبها اكبر لم تكن جميلة فحسب لكن فارهة الجمال عينين بلون عسل النحل الرقراق رموش سوداء طويلة تخفى عيونها الجميلة عن المتطفلين شعر اسود لامع بلون السماء بعد منتصف الليل انف رقيق لا يكاد يبين شفتين قرمزيتين رطبتين يكاد من لونهما البراق ان تلفظا احمر الشفاه .. كل هذا الجمال الاسر لم يشفع لها فى صفوف الخاطبين وطلاب الوصل حتى جسدها المرمرى الممشوق الكامل المكمل المحتوى على ايقونة الجمال الالهية لم يفلح فى جذب العرسان .

(2)

تعود وحيدة بعد يوم عمل طويل شاق تتمنى لو ارتمت على سريرها تقتنص ساعات نوم هانئة تنسى بها عذابتها.

لا بد اولا من اعداد الغداء لم تأكل سوى لقيمات صغيرة على الافطار لعن الله الريحيم على ايه ولمن ؟ دخلت المطبخ مسرعة حضرت وجبة سريعة من المعكرونة بالمشروم والسلاطة الخضراء فضلت ان تأكل على المائدة الموجودة بالمطبخ لا على السفرة الموجودة بالصالة هى وحدها فلماذا تأكل على السفرة تتذوق السلاطة التى تعشقها وتتقن صنعها تتذكر قول امها قبل موتها جوزك هيأكل صوابعه وراه وبكرة تقولى تبتسم بسخرية اهو مجاش خالص . تنتهى من تناول غدائها بسرعة تضع الاطباق فى الحوض وتخرج الى الصالة موعد المسلسل اليومى تجلس على اريكتها المفضلة بجوار التليفزيون تتابع المسلسل بدون تركيز تطير الى الوراء الى وقت كان الوقت يحتويه جلبة و ضجيج اخاها الاصغر يلعب بالكرة ويكسر فازة غالية وامه تنهره ويبدأوا فى الشجار ساعتها تمنت ان تصبح وحيدة دون ضوضاء تنعم بالسكون الامنية الوحيدة التى تمنتها و تحققت يبدوا ان ابواب السماء كانت مفتوحة انذاك شقيقها سافر للخليج بعد ان ضاقت ابواب الرزق فى بلده لا يعود الا كل بضعة اعوام لا يرجع الى شقة الاسرة انما الى شقته على كورنيش النيل وامها بعد ان ماتت بعد صراع مع مرض السرطان كانت تئن وحيدة فى الليل من فرط الالم لم يفلح الكيماوى فى تهدئة الامها باتت وحيدة هكذا فى يوم وليلة

(3)

 تسحب الغطاء حتى يغطى راسها تخشى الوحدة والظلام تضئ انوار الغرفة بالكامل لايفلح معها ضوء الاباجورة فى تهدئة مخاوفها احيانا تفتح الراديو على البرنامج الموسيقى لتؤنس وحدتها الموسيقى و تهدهدها اثناء نومها . كل ذلك دون جدوى فليست المخاوف وحدها التى تؤرق ليلها انما تنهش فى اعماقها رغبة مستترة لم تلبث ان تخرج فى الليل معبرة عن وجودها بلا رحمة  .

ما ان تضع رأسها على الوسادة وتستجلب شبح النوم حتى تتقلب يمينا ويسارا تغمض جفنيها تروح فى نعاس مؤقت تمد يديها الى الجانب الخالى من سريرها تجده خالى تستيقظ وقد احتلت القتامة نفسها كانت تظن ان حلمها سيكتمل حلمت به يرقد جوارها بجسده الطويل المستوى بشعيرات صدره برائحته المميزة اندمجا معا كالجسد الواحدا ذابا فى عناق لا ينفصلا منه حلقا فى سموات النشوة .

(4)

فى الصباح تستيقظ بدون عناء لم تكن نامت كالمعتاد بعد ان خرجت من الحمام بالبشكير دخلت مسرعة الى غرفة نومها خشية ان يراها احدا دوما تعتريها خشية خوف ان يراقبها احد يضع كاميرات مراقبة اغلقت باب حجرتها بالمفتاح .

تقف امام المراه تبدأ اولا فى ازاحة المنشفة عن رأسها ينساب شعرها الاسود المبلل تمسد خصلاته بيديها تلفه حول اصابعها ثم تتركه فجأة فيسيب كبكرة الخيط تدقق النظر جيدا فعلا انه هو الشيب بدأ يزحف الى شعرها الناعم بضعة خصلات اعتراها اللون الابيض اغتمت على الصباح تذكرت ان احدى صويحابتها نصحتها بشراء صبغات الشعر لتغيير لون الشعر ولكنها رفضت لانها تفضل لونه الطبيعى هل رأت احدى صديقاتها اللون الابيض هل رأته ولم تريد ان تخبرها خشية احراجها ؟

تخرج التيير الازرق من دولاب ملابسها ضيق بعض الشئ يبرز نهديها ويوضح خطوط جسدها تسقط المنشفة المحيطة بجسدها على الارض ترى نفسها عارية فى المراه تتفحص جسدها لكم عشقته تدرك مواطن جماله وتسعى دوما للحفاظ عليه لكن الان بدأ فى التهدل خيوط الزمن تزحف عليه لم يعد الجسد الممشوق المفرود اصبح كالجسد الضامر كل هذا بسبب الريجيم ام ان الزمن اسرع من الريجيم فى التخلص من الوزن الزائد ونضارة الجسد ؟

(5)

بعد يوم عمل طويل شاق ذهبت الى النادى لتقابل صديقتها فهذه اول مرة تراها بعد اجازة الوضع رزقت بطفلتها الثانية لم ترى الطفلة تمنى ان تملى عينيها منها .

اقبلت نحو صديقتها فى التيير الازرق الضيق ازاحت نظارة الشمس عن عينيها لتراها بوضوح تكاد تشعر بنظرات رواد النادى تخترقها تتحسس اسفل ملابسها تكشف عن المستور تشعر بذاتها وتدرك جمالها لم لا يشعر به احد ويقدره ؟

صديقتها من الطفولة حظها افضل منها تزوجت من عدة سنوات من جارها قصة حب عنيفة استمرت سنوات واخيرا تزوجوا بعد عناء ورفض الاهل هل تحقد على صديقتها او تغير منها سؤال يصعب الاجابة عليه هى تحب صديقتها هذه دون عن الاخريات لكن بعد كل زيارة لا تطيقها بعد فترة لا تستغرق يومين تعود لمهاتفتها مجددا .

طلبت من صديقتها ان تحمل الطفلة امسكت بها تبتسم الطفلة لها تحرك يديها وقدميها الصغيرتين تحاول وضع اصبعها فى فمها تجذب اصبعها الصغير من فمها فتمسك الطفلة باصبعها بين يديها كم تحب ذلك الاحتواء من يحتوى من ؟ االكبير يحتوى الصغير ام الصغير يحوى الكبير بين اصابعه لثمت وجنتى الطفلة وبدأت فى مداعبتها تهدهدها مشاعر مختلطة تجيش داخل نفسها حب رغبة فى الامتلاك تتمنى ان تكون هذه طفلتها و تخرج ثدييها ترضعها  بدعابات اصبعها على ثدييها و مصها الحليب من حلمة  صدرها تحملها على كتفها حتى تتجشأ تنام بجواها تشم رائحتها رائحة الاطفال المميزة احساس تمنت لو تشعر به !

 

(6)

استقلت المترو اثناء عودتها تجلس بجوار الشباك يلفح الهواء البارد وجهها تنظر بنظرة خاوية الى الركاب بلا معنى سوى التسلية و تمضية الوقت ... تلمحهما يقفان على الجانب الاخر فرغت الكنبة التى امامها هرعا اليها دخلت الفتاه اولا فاصبحت امامها والشاب بجوار فتاته يمسك يدها يتناجيان بصوت هامس لا يكاد يسمع تود لو تعرف ماذا يقول لها لتضحك هكذا ... هل احبت هل ذاقت مرارة الشوق وعذاب الفراق ؟

تعود بذاكرتها للوراء احبته زميلها فى الكلية كان دوما يسجل المحاضرات ويعطيها لها من هنا منشأ العلاقة بدايتها اربع سنوات تواعدا على الزواج بعد التخرج اصطدمت احلامهما بالواقع البطالة تنهش الشباب بلا ادنى شفقة وهى بفضل الواسطة وعلاقات ابيها التحقت فى البنك اما هو لم يفلح ان يلتحق فى اى وظيفة مرموقة رغم تفوقه طلبت منه ان يتقدم لها او تستمر علاقتهما فهى تعمل الان وتسنطيع ان تساعده حتى يقف على قدميه رفض اخبرها ان كرامته لا تسمح له لم يستطع ان يكمل العلاقة كان متسق مع ذاته نبيلا فى زمن كثر فيه الاوباش هاجر بعد ذلك الى الخارج لم تسمع عنه ابدا .

تعود ببطء الى الواقع لا يزالا الشاب و الفتاه يتناجيان تطل من عينى الشاب نظرة لهفة وترد عليه الفتاه بنظرة هيام يكاد يفط الشوق من بؤبق عينيها تبتسم لهما تدور ببصرها الى الناحية اليمنى تجده ينظر لها وابتسامة تعلو شفتيه ماهذا ؟ اعتادت على تلك الممارسات واحد فاضى هكذا قالت لنفسها استمر يبحلق لها دون ان يزيح عينيه عنها هل يعرفها ؟ لا تعتقد انها رأته قبل ذلك محطتها تقترب قامت من مقعدها تبعها ذلك الرجل تقف امام الباب يقف ورائها تراه من زجاج الباب نزلت على رصيف المترو تبعها كظلها تمد خطوات قدميها مسرعة وهو يسرع ورائها يا انسة يا انسة

نعم بتكلمنى

نعم نظارتك الشمس وقعت من حضرتك فى المترو اتفضلى

نظرت اليه نظرة طويلة وخيبة الامل تعلو ملامحها قائلة له

اه متشكره جدا

لا ابدا على ايه

تناولت منه النظارة وخرجت متمهلة من المحطة نظرت ورائها لم تجد سوى الظلام وكلبة تنبح تبحث عن وليفها .