الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

فى هجاء الوحدة ( قصة قصيرة )


(1)

 

وحيدة ... فرادانية ... بطولها ... كلمات جبلت على وصفها تعرفها جيدا لا تسمعها بأذنها انما تلاحظها فى نظرات العابرين او فى مصمصة الشفاه واطلاق التنهيدات على قدر ما تدرك مغزى الكلمات على قدر ما تشعر بها تكاد يشق جسدها نصفين من فرط الاحساس بالتفرد والوحدة .

لم تتمنى فى خيالها حال اسوأ مما تحياه لم يخطر لها ببال ان تبقى هكذا وحيدة دون زوج او حتى حبيب دوما كانت تتخيل ان يأتى لها فارس الاحلام على الحصان الابيض حلم مثل كل البنات لكن هى مختلفة ففرصتها اوسع ونصيبها اكبر لم تكن جميلة فحسب لكن فارهة الجمال عينين بلون عسل النحل الرقراق رموش سوداء طويلة تخفى عيونها الجميلة عن المتطفلين شعر اسود لامع بلون السماء بعد منتصف الليل انف رقيق لا يكاد يبين شفتين قرمزيتين رطبتين يكاد من لونهما البراق ان تلفظا احمر الشفاه .. كل هذا الجمال الاسر لم يشفع لها فى صفوف الخاطبين وطلاب الوصل حتى جسدها المرمرى الممشوق الكامل المكمل المحتوى على ايقونة الجمال الالهية لم يفلح فى جذب العرسان .

(2)

تعود وحيدة بعد يوم عمل طويل شاق تتمنى لو ارتمت على سريرها تقتنص ساعات نوم هانئة تنسى بها عذابتها.

لا بد اولا من اعداد الغداء لم تأكل سوى لقيمات صغيرة على الافطار لعن الله الريحيم على ايه ولمن ؟ دخلت المطبخ مسرعة حضرت وجبة سريعة من المعكرونة بالمشروم والسلاطة الخضراء فضلت ان تأكل على المائدة الموجودة بالمطبخ لا على السفرة الموجودة بالصالة هى وحدها فلماذا تأكل على السفرة تتذوق السلاطة التى تعشقها وتتقن صنعها تتذكر قول امها قبل موتها جوزك هيأكل صوابعه وراه وبكرة تقولى تبتسم بسخرية اهو مجاش خالص . تنتهى من تناول غدائها بسرعة تضع الاطباق فى الحوض وتخرج الى الصالة موعد المسلسل اليومى تجلس على اريكتها المفضلة بجوار التليفزيون تتابع المسلسل بدون تركيز تطير الى الوراء الى وقت كان الوقت يحتويه جلبة و ضجيج اخاها الاصغر يلعب بالكرة ويكسر فازة غالية وامه تنهره ويبدأوا فى الشجار ساعتها تمنت ان تصبح وحيدة دون ضوضاء تنعم بالسكون الامنية الوحيدة التى تمنتها و تحققت يبدوا ان ابواب السماء كانت مفتوحة انذاك شقيقها سافر للخليج بعد ان ضاقت ابواب الرزق فى بلده لا يعود الا كل بضعة اعوام لا يرجع الى شقة الاسرة انما الى شقته على كورنيش النيل وامها بعد ان ماتت بعد صراع مع مرض السرطان كانت تئن وحيدة فى الليل من فرط الالم لم يفلح الكيماوى فى تهدئة الامها باتت وحيدة هكذا فى يوم وليلة

(3)

 تسحب الغطاء حتى يغطى راسها تخشى الوحدة والظلام تضئ انوار الغرفة بالكامل لايفلح معها ضوء الاباجورة فى تهدئة مخاوفها احيانا تفتح الراديو على البرنامج الموسيقى لتؤنس وحدتها الموسيقى و تهدهدها اثناء نومها . كل ذلك دون جدوى فليست المخاوف وحدها التى تؤرق ليلها انما تنهش فى اعماقها رغبة مستترة لم تلبث ان تخرج فى الليل معبرة عن وجودها بلا رحمة  .

ما ان تضع رأسها على الوسادة وتستجلب شبح النوم حتى تتقلب يمينا ويسارا تغمض جفنيها تروح فى نعاس مؤقت تمد يديها الى الجانب الخالى من سريرها تجده خالى تستيقظ وقد احتلت القتامة نفسها كانت تظن ان حلمها سيكتمل حلمت به يرقد جوارها بجسده الطويل المستوى بشعيرات صدره برائحته المميزة اندمجا معا كالجسد الواحدا ذابا فى عناق لا ينفصلا منه حلقا فى سموات النشوة .

(4)

فى الصباح تستيقظ بدون عناء لم تكن نامت كالمعتاد بعد ان خرجت من الحمام بالبشكير دخلت مسرعة الى غرفة نومها خشية ان يراها احدا دوما تعتريها خشية خوف ان يراقبها احد يضع كاميرات مراقبة اغلقت باب حجرتها بالمفتاح .

تقف امام المراه تبدأ اولا فى ازاحة المنشفة عن رأسها ينساب شعرها الاسود المبلل تمسد خصلاته بيديها تلفه حول اصابعها ثم تتركه فجأة فيسيب كبكرة الخيط تدقق النظر جيدا فعلا انه هو الشيب بدأ يزحف الى شعرها الناعم بضعة خصلات اعتراها اللون الابيض اغتمت على الصباح تذكرت ان احدى صويحابتها نصحتها بشراء صبغات الشعر لتغيير لون الشعر ولكنها رفضت لانها تفضل لونه الطبيعى هل رأت احدى صديقاتها اللون الابيض هل رأته ولم تريد ان تخبرها خشية احراجها ؟

تخرج التيير الازرق من دولاب ملابسها ضيق بعض الشئ يبرز نهديها ويوضح خطوط جسدها تسقط المنشفة المحيطة بجسدها على الارض ترى نفسها عارية فى المراه تتفحص جسدها لكم عشقته تدرك مواطن جماله وتسعى دوما للحفاظ عليه لكن الان بدأ فى التهدل خيوط الزمن تزحف عليه لم يعد الجسد الممشوق المفرود اصبح كالجسد الضامر كل هذا بسبب الريجيم ام ان الزمن اسرع من الريجيم فى التخلص من الوزن الزائد ونضارة الجسد ؟

(5)

بعد يوم عمل طويل شاق ذهبت الى النادى لتقابل صديقتها فهذه اول مرة تراها بعد اجازة الوضع رزقت بطفلتها الثانية لم ترى الطفلة تمنى ان تملى عينيها منها .

اقبلت نحو صديقتها فى التيير الازرق الضيق ازاحت نظارة الشمس عن عينيها لتراها بوضوح تكاد تشعر بنظرات رواد النادى تخترقها تتحسس اسفل ملابسها تكشف عن المستور تشعر بذاتها وتدرك جمالها لم لا يشعر به احد ويقدره ؟

صديقتها من الطفولة حظها افضل منها تزوجت من عدة سنوات من جارها قصة حب عنيفة استمرت سنوات واخيرا تزوجوا بعد عناء ورفض الاهل هل تحقد على صديقتها او تغير منها سؤال يصعب الاجابة عليه هى تحب صديقتها هذه دون عن الاخريات لكن بعد كل زيارة لا تطيقها بعد فترة لا تستغرق يومين تعود لمهاتفتها مجددا .

طلبت من صديقتها ان تحمل الطفلة امسكت بها تبتسم الطفلة لها تحرك يديها وقدميها الصغيرتين تحاول وضع اصبعها فى فمها تجذب اصبعها الصغير من فمها فتمسك الطفلة باصبعها بين يديها كم تحب ذلك الاحتواء من يحتوى من ؟ االكبير يحتوى الصغير ام الصغير يحوى الكبير بين اصابعه لثمت وجنتى الطفلة وبدأت فى مداعبتها تهدهدها مشاعر مختلطة تجيش داخل نفسها حب رغبة فى الامتلاك تتمنى ان تكون هذه طفلتها و تخرج ثدييها ترضعها  بدعابات اصبعها على ثدييها و مصها الحليب من حلمة  صدرها تحملها على كتفها حتى تتجشأ تنام بجواها تشم رائحتها رائحة الاطفال المميزة احساس تمنت لو تشعر به !

 

(6)

استقلت المترو اثناء عودتها تجلس بجوار الشباك يلفح الهواء البارد وجهها تنظر بنظرة خاوية الى الركاب بلا معنى سوى التسلية و تمضية الوقت ... تلمحهما يقفان على الجانب الاخر فرغت الكنبة التى امامها هرعا اليها دخلت الفتاه اولا فاصبحت امامها والشاب بجوار فتاته يمسك يدها يتناجيان بصوت هامس لا يكاد يسمع تود لو تعرف ماذا يقول لها لتضحك هكذا ... هل احبت هل ذاقت مرارة الشوق وعذاب الفراق ؟

تعود بذاكرتها للوراء احبته زميلها فى الكلية كان دوما يسجل المحاضرات ويعطيها لها من هنا منشأ العلاقة بدايتها اربع سنوات تواعدا على الزواج بعد التخرج اصطدمت احلامهما بالواقع البطالة تنهش الشباب بلا ادنى شفقة وهى بفضل الواسطة وعلاقات ابيها التحقت فى البنك اما هو لم يفلح ان يلتحق فى اى وظيفة مرموقة رغم تفوقه طلبت منه ان يتقدم لها او تستمر علاقتهما فهى تعمل الان وتسنطيع ان تساعده حتى يقف على قدميه رفض اخبرها ان كرامته لا تسمح له لم يستطع ان يكمل العلاقة كان متسق مع ذاته نبيلا فى زمن كثر فيه الاوباش هاجر بعد ذلك الى الخارج لم تسمع عنه ابدا .

تعود ببطء الى الواقع لا يزالا الشاب و الفتاه يتناجيان تطل من عينى الشاب نظرة لهفة وترد عليه الفتاه بنظرة هيام يكاد يفط الشوق من بؤبق عينيها تبتسم لهما تدور ببصرها الى الناحية اليمنى تجده ينظر لها وابتسامة تعلو شفتيه ماهذا ؟ اعتادت على تلك الممارسات واحد فاضى هكذا قالت لنفسها استمر يبحلق لها دون ان يزيح عينيه عنها هل يعرفها ؟ لا تعتقد انها رأته قبل ذلك محطتها تقترب قامت من مقعدها تبعها ذلك الرجل تقف امام الباب يقف ورائها تراه من زجاج الباب نزلت على رصيف المترو تبعها كظلها تمد خطوات قدميها مسرعة وهو يسرع ورائها يا انسة يا انسة

نعم بتكلمنى

نعم نظارتك الشمس وقعت من حضرتك فى المترو اتفضلى

نظرت اليه نظرة طويلة وخيبة الامل تعلو ملامحها قائلة له

اه متشكره جدا

لا ابدا على ايه

تناولت منه النظارة وخرجت متمهلة من المحطة نظرت ورائها لم تجد سوى الظلام وكلبة تنبح تبحث عن وليفها .

الاثنين، 26 أغسطس 2013

مصر فى الحرب العالمية الاولى قراءة متأنية


كتاب مهم للدكتورة لطيفة محمد سالم كلية الاداب جامعة بنها يرصد حياة مصر من مختلف الجوانب الحياتية خلال تلك الفترة الهامة كتاب يقع فى 351 صفحة من القطع الكبير صادر عن دار الهيئة العامة للكتاب سنة 1984 و دار الشروق 2009
يقع الكتاب فى خمسة فصول تبدأ بالفصل الاول : الحالة السياسية  يرصد الحالة السياسية ابان تلك الفترة الحساسة و كيف اان مصر كانت اسميا تحت السيطرة العثمانية رغم الاحتلال العسكرى البريطانى لمصر من 1882 ورغبة انجلترا فى زحزحة الدولة العثمانية من المشهد تماما خصوصا بعد اشتعال الحرب و بدء التحالف مع الالمان ، اهم ما فى هذا الفصل انه يظهر ما خلف الكواليس السياسة خصوصا السياسة البريطانية فكان هناك حيرة داخل اروقة وزارة الخارجية البريطانية انذاك هل يعلن الحماية على مصر ام اعلان ان مصر جزء من الامبراطورية البريطانية كان الرأى الثانى هو الارجح لولا انا جاءت التقارير من مصر تفضل الحل الاول خصوصا ان مصر بلد اسلامى كبير وسيرفض ان يحكم المصريين من خلال المسيحيين وبعد عدة مداولات اتفق على ان الرأى الثانى هو الارجح .
ماتبقى تهيئة المناخ الدولى لاعلان الحماية فنجد مثلا موقف روسيا مرحب جدا باعلان الحماية و موقف فرنسا كل  لمصلحته الخاصه من اجل ان تعترف بريطانيا باستعمار كل منهما لما بين يديها من مستعمرات .
ويرصد ايضا المناخ الداخلى للتخلص من الخديوى عباس الثانى حيث كان مسافرا للخارج فى الاستانة و سعى انجلترا لايجاد خليفة له فلا تجد انسب من السلطان حسين كامل فترة زاخرة بالتفاصيل الغير معروفة و يوضح ايضا مراسم تولية السلطان الحكم حيث ذهب بنفسه الى دار المعتمد البريطانى على غير العادة ان تكون مراسم التنصيب داخل قصر عابدين مما يدل على مدى سيطرة المندوب البريطانى على السلطان و كيف انه لم يكن يتخذ اى قرار دون الرجوع الى الانجليز و انه تم توصيل خط تليفون مباشر بين السلطان فى قصر عابدين و المندوب البريطانى فى قصر الدوبارة ولكن المندوب البريطانى يرفض ويصبح الخط عند السكرتير الشرقى و  بالتالى يرفض ايضا السلطان و يصبح الخط عند السكرتير ويوضح السكرتير الشرقى فى مذكراته انه مل من كثرة اتصال سكرتير السلطان فهو يتصل به لاخذ رايه فى كل شئ حتى فى اتفه الامور ويندم انه وافق ان يقبل بوجود الخط عنده لعلع يريحه من كثرة استدعاء السلطان له فى قصر عابدين هذه الحادثة توضح كيف كانت السيطرة على السلطان و كيف انه كان شخصية ضعيفة فى ايدى الانجليز الذين عينوه سلطانا .
اما الفصل الثانى يتناول الحياه الاقتصادية فى مصر وكيف سيطر الانجليز على اقتصاد مصر و جعله تابعا لانجلترا و السيطرة على المحاصيل الزراعية المصرية وخدمتها للاقتصاد البريطانى خصوصا فترة الحرب مثلا نجد ان محصول القطن سيطرت عليه بريطانيا سيطرة تامة و احتكرته و حددت سعره بما يؤثر على الفلاحين بل سيطرت على المساحة المنزرعة بالقطن وغيرها من المحاصيل مما اثر بالسلب على الاقتصاد بل وسيطرت ايضا على الحبوب و القمح و جعلته لخدمة انجلترا ولخدمة القوات المحاربة فى مصر وكيف انه يتم اخذ او شراء الحبوب بسعر محدد من قبل انجلترا مما اثر على الفلاح حيث لم يكن السعر مرضى لم يكفى ان يسدد ديونه كما حدث فى محصول القطن .
من اهم ما يلفت النظر فى هذا الفصل ان مصر دخلت الانتاج الصناعى بعد ان منعتها انجلترا من التصنيع بل واضعاف التصنيع المصرى لجعل مصر فى حاجة الى انجلترا و لكن مع دخول الحرب حدث ان صعب الاستيراد وقل الانتاج البريطانى مما جعل انجلترا تتهاون فى محاولات التصنيع المصرى ، اصبح فى توافر فى رؤوس الاموال المصرية اثناء فترة الحرب مما استخدمها المصريين فى التصنيع فمثلا صنعت اول ساعة مصرية واستغرقت صناعتها ستة شهور بناء على طلب الى الساعاتى يعقوب .
الفصل الثالث يتناول الاوضاع الاجتماعية و المظاهر الثقافية يحلل طبقات المجتمع فى تلك الفترة بدقة عالم اجتماع وليس بقلم مؤرخ فخرج هذا الفصل بشكل جيد نجد ان المجتمع يتكون من عدة فئات اولها الاجانب كان قبل الاحتلال طبقة الاجانب عبارة عن الاتراك وهؤلاء لهم كل الامتيازات بعد الاحتلال نجد ان تغير الاتراك بالانجليز و الاوربيين اغلبهم عدا الالمان بسبب ظروف الحرب ، الطبقة الثانية هى كبار ملاك الاراضى وهذه الطبقة مصالحها مع الاحتلال لتسهيل امورها واثرت كثيرا على الرغم من القرارات الخاصة بتحديد مساحات الاراضى المزروعة قطن مما اثر على ملاك الارضى او تحديد السعر ، الطبقة الاخرى هى المثقفون وهم المتعلمون وغيرهم و الصحفيون و طلاب المدارس وغيرهم هذه الطبقة التى عانت من سياسة الاحكام العرفية طيلة فترة الحرب وعدم نشر اى اخبار عن الحرب .
وايضا طبقة الفلاحين و العمال هذان الطبقتان عانتا كثيرا اثناء الحرب فمثلا طبقة الفلاحين تأثر الفلاح بتحديد سعر القطن و المحاصيل الاخرى كالحبوب والمحاصيل الخاصة بالغذاء و طبقة العمال ثاثرت ابلغ الاثر خصوصا بعد التخلى عن اغلب العمال بعد الحرب بحجة توفير النفقات و على الجانب الاخر نجد ان العلاوات للاجانب فى ازدياد وكيف ان الاعيان كانوا يتبرعون لصالح الهلال الاحمر من اجل الحرب ولم يتبرعوا للعمال الذين كان منظرهم فى الشوارع مثير للشفقة .
اما الفصل الرابع يتناول المجهود الحربى فى تقديرى هذا الفصل من امتع فصول الكتاب لان يظهر كيف اشتركت مصر فى حرب لاطائل لها من ورائها سوى انها كانت تحت الاحتلال البريطانى على الرغم من وعود بريطانيا بانها ستتولى الدفع عن مصر و مصر لن تقحم فى تلك الحرب باى شكل من الاشكال . وبعد ذلك انجلترا تضرب بكل تلك الوعود عرض الحائط ، اشتركت مصر بجيشها فى عدة معارك و اظهروا بسالة واضحة لدرجة ان انجلترا اعترفت بفضل الجيش المصرى عليها فى انتصارتها ، بالاضافة الى فيلق العمال الذى تكون من العمال المصريين لدرجة ان وصل العدد المصريين من العمال و الجيش الى 1200000 مصرى ساهموا بشكل كبير فى انتصار الحلفاء فى مختلف الجبهات ليس فى مصر فقط انما فى مصر و خصوصا فرقة الجمالة . بالاضافة الى الاستيلاء على المحاصيل الزراعية و الدواب لخدمة القوات البريطانية و التجنيد الاجبارى بكل مساوئه حيث كان يساق الفلاحين كالحيوانات للحرب ويربطون من وسطهم ليشحنوا الى الجبهة بعد ان فشلت الاغراءات للاشتراك فى الجيش البريطانى .
الفصل الاخير يتناول الجانب الوطنى و المقاومة ويزخر هذا الفصل بالعديد من المواقف التى نغفل عنها منها ان مصر بحكم الروابط الروحية مع الاتراك كانوا يتمنون ان يعود الحكم التركى رغم كل مساوئه بل اشتراك المصريين فى المقاومة رغم الشدة و الاعتقلات كل هذا لم يؤثر عليهم و كيف كره المصريين السلطان حسين كامل و جرت اكثر من محاولة لاغتياله وباءت بالفشل كان المصريين يرونه خائنا لانه قبل ان يتولى السلطنة بناء على اوامر انجليزية .
الكتاب اكثر من رائع يزخر بالعديد من الجوانب المجهولة و التفاصيل الثرية التى يصعب حصرها فى بضع كلمات كتاب تنسى معه ساعات الملل لا تشعر بمرور الوقت وهو بين يديك باختصار كتاب ممتع .

الأحد، 4 أغسطس 2013

لذة القراءة


القراءة ماهو تعريف القراءة ؟ الامر الالهى واضح اقرأ ... و ماذا بعد ؟ تدبر اعقل كل ما تقرأ ليس القراءة فقط مجرد تحريك العينين يمينا و يسارا انما انتقال الانسان من كينونته الحالية الى كيوننة اخرى وضع اخر مغاير قد ينتقل لزمن اخر لبلد اخرى لاحوال اخرى مخالفة لما عهده ... كل ذلك وفاتنى توصيف معنى تلك العادة المحببة
الكاتب الارجنتينى البرتو مانغويل يقول فى كتابه الجميل ( يوميات القراءة تأملات قارئ شغوف فى عام من القراءة ) ... ان القراءة فعل هادئ مريح منعزل ... كل هذا جميل جدا ولكنه لم يصف لنا ما هو فعل القراءة
فى اعتقادى أن القراءة بالاضافة الى كلام البرتو مانغويل عن كونها فعل هادئ مريح الا انه احساس يلتبس الانسان يشعره انه محلق طائر له ليس جناحان فقط انما عدة اجنحة تجعله يطير عاليا يرى ما لايراه الاخرون يملك عينين صقر يرى بعين ثاقبة ما يخفى يدرك بواطن و بواعث الافعال يرى افق لا نهائى من الحقائق المتجسدة امامه فيتمهل كمن يدخل محراب مقدس يتزود من زاد الحقيقة زاد المتعة الا متناهى .
الكاتب الارجنتينى الراحل بورخيس كان يتخيل ان الجنة مكتبة كبيرة مليئة بالكتب من فرط عشقه للقراءة تخيل هذا ... لكل منا مفهومه الخاص لجنته و لكن هل تخيل احد ان تكون الجنة مكتبة ؟
بورخيس كان كفيفا والبرتو مانغويل كان يقرأ له لذا تخيل ان تكون الجنة مكتبة اى انه يستطيع الرؤية كل منا يحلم بالجنة التى تخصه هو وحده يحلم بما ينقصه فيصبر نفسه ويقول فى الجنة ان شاء الله
منا من حلم بكتاب ينقصه يتمنى لو اقتنصه اقتناه قرائه فتح صفحاته ملأ عينيه من سطوره اشبع فضوله ارتوى بمتعته ...
تفتح الكتاب برفق تلمس غلافه الاملس كأنك لمست يد حبيبتك تفتح صفحاته بهدوء كأنك تفتح ذراعيك لحبيبتك تبدأ فى التهام السطور ولكن بحذر حتى لا تنتهى متعته بسرعة كمن فرغ من قبلة حبيبته واراد المزيد ولكن خجلها يمنعها .
للقراءة طقوس من يفضل القراءة على خلفية موسيقية كالموسيقى الكلاسيكية مثلا ... او القراءة فى هدوء بدون اى مؤثر خارجى يشوشر على التلقى ... هناك من يقرأون فى كل الظروف و كل الاحوال لا يؤثر فيهم زحام مواصلات او ضوضاء البشر او تطفل الركاب بوضع رؤسهم فيما تقرا او سؤالك عم ماذا تقرأ ؟
افضل الانواع هو الاخير لانه يتوحد بما بين يديه ينسى العالم الذى حوله و ينتقل كلية الى عالم اكثر رحابة يراه من غلالة رقيقة شفافة ...
القراء انواع ايضا منهم الذى يقرأ فى كتاب واحد و الذى يقرأ فى كتاب او اكثر
النوع الاول افضل لانه يستطيع ان ينتهى من الكتاب و يدرك متعته دون ان تشاركه فى كتب اخرى اى ينشغل بقراءة كتاب اخر فيصبح كما فى المثل الشعبى لاطال بلح الشام ولا عنب اليمن
هذا النوع من القراء قارئ قلق لا يهدأ يود لو قرأ كل الكتب دفعة واحدة يهئ له ان هذا هو الصواب فينشغل باكثر من كتاب فيتشوش ذهنه ولا يدرك الرحيق الخاص بكل كتاب وكانه فى طبق سلاطة
القارئ المفضل الذى ينشغل بكتاب واحد يستمتع به يدركه يستنشق رحيقه بالكامل فينهى منه فيذهب لكتاب اخر و هكذا ...
القراءة متعة لاتوصف من فرط لذتها التى لا تضاهى يصعب وصفها فى بضع كلمات ليت كل الناس تدرك تلك اللذة ...

خالد عبد العزيز
4-8 -2013

السبت، 3 نوفمبر 2012

ايفو اندريتش وجسر على نهر درينا




بدأت علاقتى برواية جسر على نهر درينا بسماع اسم الرواية او اسم مؤلفها يتردد دائما الا ما دفعنى بالتحديد الى قراءة الرواية هو من خلال قراءتى لكتاب اللحظات الفاصلة يوميات القلب المفتوح للروائى جمال الغيطانى حيث اصطحب معه عدة كتب اثناء سفره لاجراء العمليه الجراحية فى الولايات المتحدة من هذه الكتب هذه الرواية و طلب ان يدفن مع تلك الكتب فى حالة و فاته متأثرا بذلك بالقدماء المصريين .
اكثر من مرة قرات عن الرواية من جمال الغيطانى حيث سرد ذكرياته عنها ولانى اثق فى الغيطانى و فى ذائقته الادبية مكدبتش خبر و بدات رحلة البحث عن الرواية بحث شاق مضن فى النهاية وجدتها فى سور الازبكية .
بدأت قراءتى على الفور تبدأ الرواية بمحاولة من الكاتب فى رسم لوحة لمكان الاحداث و تحديدا اين يقع بلد بطل الرواية و البطل هنا ليس انسان او حتى مجموعة من البشر يتصارعون على شئ ما انما البطل هو الجسر ذلك الجسر المعنون باسمه الرواية لم يحدث من قبل ان يكون بطل عمل ادبى ما جماد و ليس انسان افهم ان يكون البطل المكان كرمز كرواية عمارة يعقوبيان مثلا البطل العمارة و المقصود بها مصر ككل .
قبل بناء الجسر كان عبور النهر صعبا بتم بواسطة  مراكبى غريب الاطوار يعمل فى اوقات معينة و يتغيبب فى اوقات عدة  اما بعد بناء الجسر اصبح امر عبور نهر درينا ايسر بكثير على رغم المحاولات الفاشلة لاعتراض امر بناء الجسر و منعه من الاكتمال الا انه فى النهاية يكتمل و يصبح تحفة معمارية تفيد الناس على مر العصور و الازمان .
الملاحظ خلال صفحات الرواية ان الكاتب اعتمد على حكايات عدة لاتنتهى لاناس عاديون فلاحون تجار و غيرهم من الصرب و الاتراك و حتى اليهود كلهم ارتبطوا بشكل او باخر بالجسر و الجسر اثر فيهم و اثروا فيه بل اصبح جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية يوميا و فى معظم اوقات اليوم تجد من يجلسون على الكابيا التى تمتد بطول الجسر يجلس بالليل الشباب و المتعطلون يشربون الراكيا و يجلس بالمساء الكبار يستمتعون برؤية النهر و النسائم التى تهب عليهم بعد يوم عمل شاق .
تتناول الرواية عدة قرون ليس فترة واحدة و انما فترات عدة تبدأ بالعصر التركى الهادئ رغم ظلم الاتراك و فداحة الضرائب المفروضة مرورا بالاحتلال النمساوى المجرى للبلاد و اتسام ذلك العصر بالسرعة و جريان الاموال فى ايدى الشعب الى عصر النهاية و بداية الحرب العالمية الاولى و انهيار الجسر الذى ظل اكثر من ثلاثة قرون شاهدا على الكثير من الاحداث .
يلاحظ من خلال الاحداث تشابه كبير ان لم يكن كلى بين الواقعين البوسنى و الواقع المصرى نجد محاولات من الشباب لتوعية الفلاحين ليتخلصوا من ظلم الاحتلال و محاولة تنوير عقل الفلاح الغلبان المفترى عليه دائما و يتضح اوجه التشابه اكثر فى اواخر الرواية من خلال شخصية على الخجا ذلك التاجر ذو العقل مغلق دائما الذى يرفض كل ماهو قادم من الغرب لانه اولا قادم من المحتل وثانيا انه ضد الثقافة الاسلامية .
 بنية الرواية عموما اجد فيها تشابها بالف ليلة و ليلة من حيث ان الحكايات لا تنتهى و كلهم مرتبطين بشئ واحد او المؤثر او الشاهد على وقوع الحوادث هو الجسر و الكابيا الممتدة بطول الجسر التى شهدت الكثير من الحوداث مثل انتظار ممثلى الديانات لقائد فرقة الاحتلال عند نزول اولى القوات المختلة الى المدينة و تعميد بطرس على الكابيا ذلك الفلاح التى ينتهى اجله بطلقة فى راسه ظلما اثناء الاضطرابات و الحرب العالمية الاولى .
لعل من ابشع و اصعب مشاهد الرواية مشهد الخوزقة و انتقام عابد اغا من الفلاحين حيث علق رؤسهم على الكابيا 
الخلاصة : رواية فذة بكل المقاييس متعتة قرأتها لا تضاهى و فى النهاية لا انسى جهد المترجم المتميز سامى الدروبى الذى اخرج هذا العمل البديع فى ابهى صورة دون ان يخل بالنص الاصلى .